علم
النفس الفسيولوجى:
هو ذلك العلم الذي يبحث بدقة بالغة في طبيعة العلاقات الارتباطية المتداخلة
بين المظاهر والمتغيرات النفسية من جانب والمظاهر والمتغيرات الفسيولوجيه التي
تصاحبها من جانب آخر . وتتمثل نقطة البداية في الخصائص والمتغيرات النفسية لأشخاص
ذوى علامات فسيولوجية محدودة مثل إصابات المخ حيث يبدأ الباحث بأفراد لهم طبيعة
فسيولوجية محددة مسبقا ( تغيرات مستقلة ) .
1-
مباحث علم النفس الفسيولوجى :
أن تحديد موضوع دراسة أي علم من العلوم
يعتمد على أساليب رصد الظواهر المعنية بهذا العلم ، ومن عرضنا المختصر لبعض ملامح
تاريخ علم النفس الفسيولوجى ، يمكننا ملاحظة التطور الحتمى للأفكار والأساليب
المنهجية التى اقتضت حتما امتزاج العديد من المباحث العلمية لمختلف فروع العلم
ويمكننا تقسيم اهتمامات الباحثين فى مجال علم النفس الفسيولوجى الى ثلاثة مباحث
متداخلة : فبينما ذهب فريق يبحث عن الخصائص والمؤشرات إن الإشارات الفسيولوجيه التى تصاحب استقبال مثيرات العالم الخارج أو
تغيرات الحالة الوظيفية للجهاز العصبي ، مثل تغير معدل ضربات القلب إن نشاط
العضلات الكهربي أو تغير ضغط الدم كنتيجة لتعرض الأفراد لمواقف تثير حالة القلق أو
الانفعال ، نجد فريقا آخر قد اهتم بصورة واضحة بتتبع العمليات العصبية الفسيولوجية
المتتالية التى تكمن وراء فعل محدد وهؤلاء يبحثون بعمق الميكانيزمات العصبية
والكيميائية الفسيولوجية التى تحدد مسار استقبال مثيرات العالم الخارجي حتى نهاية
إصدار الفعل مثل ميكانيزمات الرؤية والسمع والشم والانتباه والتعلم والذاكرة…الخ
.أما الفريق الثالث فقد اختار لنفسه البحث عن التطبيقات العلمية لنتائج البحوث
السيكوفسيولوحية سواء فى مجال العلاج النفسي كما هو الحال فى استخدام أجهزة العائد
البيولوجي Biofeed back أو في الكشف عن الكذب
باستخدام أجهزة كشف الكذب ، أو الاختبارات السيكوفسيولوجية فى الانتقاء المهني .
2-
أهمية علم النفس الفسيولوجى :
والقول القديم المأثور عن علاقة النفس بالجسم يذكرنا بتحذير مفيد
:"إذا لم يشتك الإنسان شكت أعضاؤه" فكثير من التغيرات الجسمية
والفسيولوجية تحدث كنتيجة مباشرة للضغوط النفسية التى يعيشها الفرد الإنساني في
عالم دائم التغير .
وإذا كان أهل علم النفس البحت قد
تباينوا فى تيارين : أحدهما ينادى بتجزيء السلوك الكلى الى وحداته الأساسية
والثاني يهتم بدراسة الإنسان كوحدة كلية فريدة من نوعها نجد أيضا أن دراسة السلوك
من المدخل الفسيولوجى قد تتم على مستوى وظائف أجزاءه أو أجهزة محددة من حسم
الإنسان أو قد يتناول دراسته بصورة متكاملة تتطلب تعاون فريق هائل من العلماء فى
شتى فروع العلم ولو قارنا بين الإنسان والحاسب الآلي من اجل التشبيه والتوضيح فقط
من حيث إمكانية التحكم والاستفادة من كليهما على النحو التالي :
نفترض أن الشخص (ا)
يستطيع فقط أن يقوم بتشغيل الحاسب الآلي باستخدام برنامج محدد ،بينما يستطيع الشخص
(ب) بالإضافة إلى التشغيل أن يعرف تركيب ووظيفة كل جزء من أجزاء الحاسب وطريقة وضع
البرامج . فمن منهما اكثر قدرة على الاستفادة منه من ناحية التحكم فى وظائفة
وإمكاناته ؟ لاشك أن الشخص (ب) هو الأفضل .
وعلى هذا الأساس نجد أن المعلم أو
الأخصائي النفسي الذي يدرس بناء الإنسان وأجهزته العصبية والتشريحية مع معرفة
وظائف كل منها من الناحية النفسية هو الأقدر بلا شك على تنمية السلوك وضبطه
والتحكم في حدود إمكانات النتائج والمعلومات المتاحة عن الإنسان
كما
ظهرت فى الأعوام الأخيرة دراسات تحاول تسجيل اكثر من 25 متغيرا ينفرد كل منها
بوظيفة جهاز فرعى محدد بجسم الإنسان في نفس الوقت واللحظة الذي يتعرض فيها الفرد
لاثر موقف معين قابل للقياس السيكومترى أو الفيزيقي .
وقد يأتي ذلك اليوم
الذي تسمع فيه عن التوصل الى جهاز فيديو متطور يستقبل إشارات كهربية عما يدور فى
المخ ليلا لنشاهد فى صباح اليوم التالي تسجيل بالصوت والصورة والألوان لأحلامنا أو
ما يتم داخل ذلك الكون الفسيح الذي نسميه المخ Brain .
ولقد قال الشاعر عن الإنسان
:
ويزعمون
انك جرم صغير … وقد انطوى فبك العالم
الكبير
علم نفس فسيولوجى أم فسيولوجيا نفسية ؟
يعتبر عالم النفس الشهير فونت Wundt أول من أطلق تسمية "علم النفس الفسيولوجى" على الظواهر
النفس –فسيولوجية عندما أسس معمله السيكولوجى فى لينبرج سنة
1879عندما ازداد الاهتمام من السيكولوجيين والفسيولوجيين بالظواهر التى تقع فى
منطقة التداخل بين علم السيكولوجيا وعلم الفسيولوجيا ظهرت اتجاهات تنادى بعلم
السيكوفسيولوجيا تميزا له عن علم النفس الفسيولوجى .
والمدقق فى بحوث
واهتمامات كلا العلمين يجد انهما يبحثان بدقة بالغة فى طبيعة العلاقات الإرتباطيه
المتداخلة بين المظاهر والمتغيرات النفسية من جانب والمظاهر والمتغيرات
الفسيولوجية من جانب آخر ، فإذا تمثلت نقطة البداية فى الخصائص والمتغيرات النفسية
لأشخاص ذوى علامات فسيولوجية عصبية محددة مثل إصابات المخ أو استثارته أو وضع
الفرد تحت اثر الأدوية ، سمى بعلم النفس الفسيولوجى حيث يبدأ الباحث بإفراد لهم
طبيعة فسيولوجيه محددة سابقا(متغيرات مستقلة) ولكن إذا قام الباحث بتسجيل المؤشرات
والقيم الفسيولوجية المختلفة كمتغيرات تابعة لاثر نفسي محدد كالتعرض لموقف القلق
أو الخوف أو لمعلومات معرفية كما تظهر فى تجارب اليقظة والانتباه كمتغيرات مستقلة
أطلق عليه في هذه الحالة بالسيكوفسيولوجيا . فمن الواضح إذا أن كلا الفرعين يبحثان
فى طبيعة العلاقة بين المتغيرات النفسية القابلة للقياس أو الضبط والمتغيرات
الفسيولوجية التى يستطيع الباحث تسجيلها او تتبعها .
فلا شك أن هؤلاء الذين تخصصوا بعمق في علم النفس يعتبرون المتغيرات
الفسيولوجية –طبقا لمقتضيات الظاهرة- متغيرات مستقلة على حين نجد أن
المتخصصين فى الفسيولوجيا سوف يبدءون بالمتغيرات النفسية كمتغيرات مستقلة ، ويذكر
احمد عكاشة سنة1975 ص20 "عندما أسس فونت معمله السيكولوجى ……… كانت كل التجارب التى أجريت فيه – تجارب فى علم النفس الفسيولوجى بحيث اصبح علم النفس التجريبي وعلم
النفس الفسيولوجى اسمين لمسمى واحد" .
وفى
ضوء التقدم التكنولوجي والإعداد العلم لدارس السيكولوجيا ةالفسيولوجيا الذي اصبح
يؤثر كل منهم في الأخر ، نجد أن مقتضيات دراسة الظاهرة والفائدة التطبيقية هى التى
تملى على الباحث تحديد المتغيرات التجريبية المستقلة والتابعة، والجدير بالذكر أن
مؤلف هذا الكتاب قد حامل الجمع بين المدخلين فى دراساته وبحوثه التى تناول فيها
طبيعة العلاقة المتداخلة بين المتغيرات النفسية (تركيز الانتباه-
درجات
القلق –ا
لتحكم
الذات – الشخصية) والمتغيرات الفسيولوجية (قيم ذبذبات رسم المخ EEG- استجابة الجلد الجلفانيه GSR- قيم نشاط العضلات EMG) .
مما تقدم يتضح أن موضوع علم النفس
الفسيولوجى او السيكوفسيولوجيا إنما يركز على التأثيرات المتبادلة بين النفس
والجسم معا . وعلى الرغم من اختلاف طبيعة علم النفس البحت عن علم الفسيولوجيا
البحت فان المدخل الفسيولوجى يساعدنا كثيرا فى فهم وبناء وعمل وظائف جسم الإنسان
المرتبطة بالمخرجات النفسية سلوك وأداء أفكار ومشاعر .
فلو بدأنا بعملية الإحساسSensation على أنها ابسط واهم العمليات النفسيه على الإطلاق لوجدنا أنها
تمثل بؤرة الالتقاء بوضوح تام بين السيكولوجيا والفسيولوجيا وقد حدد وبير وفيخنر
القوانين الأساسية لدراسة الإحساس والعتبات الفارقه وزمن الرجع وما تمخض عنها من
تطبيقات عديدة فالمدخلات الحسية كطاقة فيريفية تنتقل من خلال الأعصاب الحسية
والمستقبلات فى الحواس الأساسية إلى
المراكز العصبية العليا حيث يتم ترجمة الشفرة العصبية وإدراك الشيء المحسوس فلكل
حاسة عضو مسؤل عنها له تركيب دقيق من الناحية العضلية والعصبية والتكوينية ، ومن
ثم فان وظائف الحواس لا يمكن أن تتم بدون الإشارات العصبية الفسيولوجية ، ولما كان
الإحساس كعملية نفسية هو المادة الخام التى يتم معالجتها بعمليات الإدراك فان نشاط
وارتباط المراكز العصبية العليا بالقشرة المخية يمثل الأساس الفسيولوجى لعمليات
الإدراك والتخيل والتذكر والتفكير ومن هنا اهتمت الدراسات السيكوفسيولوجية بعمليات
الدماغ المرتبطة بالعمليات العقلية العليا او ما يعرف بالنشاط العصبي الراقي
(الإدراك والتخيل والتفكير والتذكر) .
وتظل أحد القضايا الأساسية التى يناقشها علم النفس الفسيولوجى او
السيكوفسيولوجى تنحصر فى البحث عن المؤشرات الفسيولوجية او العمليات العصبية التى
هى دالة وظيفية لحالة الفرد النفسية وخصائصه الشخصية والحركية
.
لذلك فقد امتد نشاط البحوث السيكوفسيولوجية للعديد من ميادين علم النفس :
الشخصية والأنماط المزاجية ،الأمراض النفسية ، ميكانيزمات التعلم التذكر ففي العشر سنوات الماضية جذبت نظرية
تشغيل المعلومات فى المخ اهتمامات البحث النفس –فسيولوجى ،
كما أن ظهور علوم الحاسبات الآلية المتقدمة قد فتح آفاق جديدة حول عرض نمازج
المعلومات والذكاء الصناعي artificial intelligence.
فعلم النفس الفسيولوجى لم يترك ظاهرة نفسية إلا وحاول أن يرتبط بها سواء
على المستوى الجزيئى الكيميائي كما هو الحال فى حالة تتبع اثر الهرمونات على
السلوك الشخصية ، او على مستوى وظائف أجزاء محددة من الجهاز العصبي كما هو الحال
فى الكشف عن علاقة الجهاز العصبى الطرفي بالمخ Limbic system بظواهر التعلم والانفعال كما كشف عن الدور الهام الذي يلعبه حصان
البحر Hippocampus فى عملية الذاكرة .
مستويات دراسة السلوك الانساني:
الانسان نظام كلي متكامل
يمارس حياته الثقافية والاجتماعية ويعتير المستوى الاجتماعي هو أعمق وأصعب
المستويات التي تواجه الباحثين في الرصد والتحليل والضبط والتنبؤ وهو ما يتضح في
الشكل رقم (أ) : مستوى التفاعل الاجتماعي، وننتقل من ذلك المستوى إلى دراسة السلوك
الانساني على مستوى الأعضاء، حيث نجد أن المخ هو عضو النشاط النفسي على الاطلاق
لأنه هو الذي يتعلم. والتعلم هو الأداة الرئيسية لبرمجة القشرة المخية، فإذا كان
المخ هو الذي يمثل أهم جزء في العتاد البيولوجي Bio-Ware
(مع ضرورة المنظومة الحسية والمنظومة الحركية)، فإن التعلم هو المنظومة الرئيسية
لادخال البرمجيات النفسية Psycho-Ware ، وتشترك جميع الفروع الخاصة بعلوم المخ والأعصاب والرنين
المغناطيسي والكيمياء الحيوية والحاسبات الآلية والشبكات العصبية في دراسة أسرار
تعلم المخ البشري كما سوف يتضح من فصول المقرر.
في السنوات العشر الأخيرة ازدات البحوث التي
تهتم بدراسة السلوك على مستوى الدوائر العصبية المخية في دراسة عمليات التعلم
والذاكرة، وقوس الانعكاس Reflex
arch هو أوضح مثال لأبسط
الدوائر العصبية، كما يتضح من الشكل رقم (ب)، وهذا الشكل يوضح انعكاس الركبة Knee Jerk ، وعندما نتنقل إلى مستوى الخلية العصبية وهي الأصل مع محاور
الخلايا في تكوين الدوائر العصبية نجد أن العديد من الباحثين قد أولوا اهتماهم
بدراسة السلوك عند مستوى الأثير على نشاط الخلية العصبية:
استثارة Excitation، كف Inhibition، والتدريب الذي يؤدي إلى تكوين واعادة تشكيل نشاط تلك
الخلايا.
ويرتبط بذلك المستوى دراسة السلوك عند التدخل في نشاط الوصلات العصبية Synapses والبعض يطلق عليها المشتبك
العصبي، ويعتبر ادوارد لي ثورنديك أول من وضع نظرية لتفسير التعلم على أساس
الوصلات
العصبية، وجدير بالذكر أن جميع البحوث المعاصرة تؤكد حدوث تغيرات نوعية تشريحية في
الوصلات العصبية تحت تأثير التدريب والتعلم.
|
وقد ذهب بعض علماء الكيمياء الحيوية والمتخصصين في الكيمياء الجزيئية إلى
دراسة السلوك على مستوى نشاط الجزئيات التي تعمل بها الخلايا العصبية، وهذا
المستوى البالغ في الصغر والدقة هو الذي يعرف بالمستوى الدقيق Micro level وبين ذلك المستوى والمستوى الماكرو Macro level يوجد متصل متعدد لدراسة السلوك الانساني، ومن ثم فإن علم النفس
الفسيولوجي (علم النفس التجريبي) هو المحور الرئيسي لالتقاء وامتزاج مختلف فروع
المعرفة العلمية.